شماليات

مرحبا بكم في مدونتي المتواضعة التي أجمع فيها زبدة ما كتبته في الشبكة العنكبوتية كما وأنوه أن حقوق النشر والنقل محصورة لكاتب هذه القصص والمقالات ولا أحل أحدا أن ينقل شيء من دون ذكر المصدر والاشارة إلى كاتبها أبو ذر الشمالي

الاثنين، 29 فبراير 2016

دراجة براء


بسم الله الرحمن الرحيم
أسدلت أم البراء ستار نافذتها وقد راعها السكون الذي خيم على غزة وبشكل فجاءي ، بات من الغريب أن تمر ساعة ولايقصف اليهود فيها غزة ، انقبض قلبها من هذا السكون المريع الذي يسبق العاصفة ، وإلى جانبها جلس براء القرفصاء وهو يحاول بعينيه لفت إنتباه أمه ولكن الغريزة وحدها كانت تشعره أن الأمر جلل لذلك فقد انكفأ على نفسه وماعاد يشاغب ويلعب كعادته
ما لبثت أمه أن شعرت به بعد أن أمضت ردحاً من الزمن غائبة عنه بل عن الوعي في ظل هذا السكون المطبق ، نظرت إليه نظرة ملئها الحنان فاستغل براء الفرصة فأطلق للسانه العنان:
يمه ، إمتى بيرجع أبوي
أجابته : يمه ياحبيبي لقد أخبرتك أن أبوك أستشهد
قال لها : لا يمه أبي ما أستشهد ، أبي وعدني أنه سيرجع وسيشتري لي الدراجة التي وعدني بها ، ألم تسمعيه يمه ، ألم تكوني حاضرة عندما ودعنا ليلتحق بالقسام وضمني كيف همس في أذني أنه سيعود ومعه الدراجة التي وعدني بها
أما أم البراء فقد اكتفت بهز رأسها ، فقد كان من الصعوبة بمكان أن يدرك ابنها ابن الأعوام الخمس أن أبوه لن يعود ، ثم إن دموعها التي جفت من كثرة ما أغدقتها من مقلتيها ماعادت تسعفها بالمزيد ، لذلك فقد آثرت الصمت كصمت هذا الجو المخيف
وماقطع هذا السكون إلا صوت براء : أمي جعان
خسا الجوع يمه ، نظرت حولها فما وجدت إلا كسرة خبز يابسة فناولته إياها ، تناولها براء وبدأ يقضمها بشراهة
ترى مالون الدراجة التي سيشتريها لي أبي ، أريدها أن تكون حمراء مثل لون الدراجة التي أشتراها العم يوسف رحمه الله لإبنه مروان ، وأريد أن يكون فيها جرس وزينة000
وماقطع إسترساله بالكلام إلا صوت أمه : كفى يا براء كفى ، أبوك استشهد ، قتله اليهود البارحة ولن يعود كفى يا بني كفى
وعادت الدموع لتهطل من عيني أم البراء وكأن كلام براء قد قلب عليها المواجع ، ولو أنها لم تكن بحاجة أصلاً لأي شيء يقلب عليها المواجع ، ففي غزة كل شبر فيه مواجع وأنين
براء: يمه إنت زعلانة مني ، أنا زعلتك بإشي
أجابته : يمه قوم ننام ، إنت من يوميين ما دقت طعم النوم
أيوه يمه والله نعسان بس أبوي تأخر هو وعدني وأنا ما راح أنام حتى يرجع أبوي ويجيب لي الدراجة
طيب يمه تعال في حضني ولما بيرجع راح أصحيك
وضع براء رأسه على صدر أمه وشعر بحنان كبير وإطمئنان افتقده ولو بالغريزة منذ أسبوعيين ، من أول طلقة أطلقها اليهود على غزة وبراء ما عاد يشعر بالأمان شأنه شأن أطفال غزة
قال براء : يمه أحكي لي حكاية مثل ماكنت تحكيلي من زمان
حاضر ياحبيبي ، سأحكي لك حكاية ، كان يامكان في قديم الزمان ، كان هناك عشرة أخوة يسكنون بجانب بعضهم البعض وفي يوم جاء واحد غريب لئيم وهجم على أحد الأخوة وطرده من بيته ونهب ماله وقتل أولاده الصغار ، وظل يعتدي على هذا المسكين ليل ونهار دون شفقة أو رحمة
براء : وكيف هذا يمه ، أليس لهذا الرجل تسعة أخوة كما تقولين
نعم يا بني
طيب ماذا فعل هؤلاء الأخوة لنجدة أخوهم
لقد خرجوا ياحبيبي على بكرة أبيهم وصرخوا بوجه الغريب وقالوا له أنهم لايرضون بذلك
ثم ضربوه يمه
لا يا حبيبي
إذا طردوه يمه
لا يا حبيبي
إذا دافعوا عن أخيهم يمه
لا يا بني
إذا ما فائدة صراخهم في وجه الغريب
والأنكى من ذلك يا بني أن أخوه الأكبر وضع يده في يد الغريب اللئيم
أرجوك يمه لاتحكي لي هذه الحكاية فهي حكاية سخيفة ، احكي لي حكاية واقعية ولاتحكي لي حكاية مستحيل أن تقع أو تحدث
ابتسمت أم البراء وقالت له : حاضر يا حبيبي سأحكي لك قصة من التاريخ
أعرف قصة المعتصم حكيتيها لي مائة مرة حافظها عن ظهر غيب
لايا بني سأحكي لك قصة ما سمعتها من قبل ، منذ زمن بعيد يا براء وبالتحديد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، كانت قريش تعادي الرسول وتضمر له الشر وفي مرة من المرات قرر كفار قريش أن يجمعوا من كل قبائل العرب فرساناً وينقضوا إنقضاض رجل واحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضيع دمه بين القبائل ولايستطيع بني هاشم أن يطلبوا دمه من جميع قبائل العرب ، وبالفعل اجتمعوا ليلاً أمام بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيادة أبي جهل عدو الله ورسوله ، وعندما طال فيهم المكوث وهم ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرج عليهم ليقتلوه جاء أحد هؤلاء الفرسان لأبي جهل وقال له
: يا أبا الحكم علام ننتظر محمداً في هذا البرد القارس حتى يخرج ، لم لانتسور عليه بيته ونقتله في فراشه
فقال أبو جهل عدو الله ورسوله
أبو جهل يا براء
أبو جهل يا براء عدو الله ورسوله قال
براء : نعم يا أمي ماذا قال
لقد قال لذلك الفارس : ثكلتك أمك ، أوتتحدث العرب أن أبا الحكم روع بنات محمد وهن في خدورهن
نعم يا براء ، نحن ماعدنا نريد حكاما مثل أبي بكر وعمر ، نحن نريد حكاما عندهم نخوة مثل أبي جهل ، يامن تغلقون في وجوهنا المعابر ، يامن تحاصروننا مع اليهود ، يامن وضعتم أيديكم بأيدي اليهود أليس لكم في أبي جهل عبرة ، ويحكم أعجزتم أن تكون عندكم نخوة مثل نخوة أبي جهل
وماقطع كلام أم البراء إلا صوت قذيفة من بعيد ولكنها كانت كفيلة أن تدخل الفزع إلى قلب براء الذي التصق بأمه حتى بات يشعر بنبضات قلبها الغاضب ، ربتت على رأسه ومسحت شعره وقالت له
لاتخاف يمه ، هيا نام على صدري
وبعد أن خيم السكون مرة أخرى همس براء في صوت خفي
يمه صحيح أبوي استشهد
أيوه يمه استشهد
يمه أنا ماعاد بدي الدراجة أنا بدي أبوي يرجع ويلعب معاي متل زمان
نام يمه نام
يمه حضنك دافي وأنا بردان ، من زمان ماشعرت بالدفئ لاتبتعدي عني يمه
حاضر يمه أنا بجنبك ما راح أتركك
وما راح تتركي اليهود يكتلوني
لايمه لاتخاف
يمه أنا خايف
لاتخاف يمه
يرفع رأسه براء يرى أبوه وقد عاد ومعه الدراجة التي وعده بها
يقفز فرحاً : ابوي أبوي عاد يمه ومعه الدراجة
يضحك الأب بوجه براء ويشير له تعال يا بني
أبوي يمه رجع ومعه الدراجة اللي وعدني بيها ، شفتي يمه أبوي ما خلف وعده لي
الأم خائفة : يمه صوت الطائرات قريب جداً
يمه ماقلت لك إن أبوي وعدني أنو راح يشتريلي الدراجة
أبوك استشهد يمه
لايمه أبوي عاد مالك شامة ريحته ، ما أروعها من ريحة وهذا اللون الأحمر القاني اللي مخضب لحيته
يمه أبوك مات
لايمه أبوي عاد وبدو ياخدني معاه
صوت الطائرات فوق راسنا
يمه أنا رايح مع أبوي
لا يمه إذا كنت رايح فخدني معاك فلا خير في عيشة تكالب علينا فيها القريب والبعيد
000000000000000000000
وهناك 00هناك بعيد جلس أبو براء وأم براء وبراء يضحكون وركب براء دراجته وطار فيها تحت عرش الرحمن في حواصل طير خضر ، هناك جلسوا في سرور حيث لاطائرات تقصف ولا معابر تغلق ولا عرب يحتجون ، هناك جلسوا في سرور وحبور تحت رحمة الله وفي كنف الرحمن الرحيم ، يضحكون وعلى الأرائك ينظرون هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون

السلام عليكم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق