شماليات

مرحبا بكم في مدونتي المتواضعة التي أجمع فيها زبدة ما كتبته في الشبكة العنكبوتية كما وأنوه أن حقوق النشر والنقل محصورة لكاتب هذه القصص والمقالات ولا أحل أحدا أن ينقل شيء من دون ذكر المصدر والاشارة إلى كاتبها أبو ذر الشمالي

السبت، 27 فبراير 2016

شهادة زيكو مع وسام الشرف والتقدير



صباح الخير يا زيكو
كيف حالك أيها العبقري
يوما سعيدا أيها الكومبيوتر المتنقل
كلمات كان زيكو يتلقاها من معجبيه ومحبيه بكثرة كلما كان يسير في الشارع ، والحق أن زيكو لم يكن يتمتع بالخصوصية خاصة في حارته ، فالكل يعرفونه والكل يحاول كسب صداقته لذلك كان مضطرا أن يمضي جل وقته وهو يسير في الشارع بأن يجيب على تحيات الناس من حوله وممازحتهم له وتلويحهم بأيديهم وهم يرحبون به وهذا كان من دواعي سرور زيكو فهو كان يحب أن يرى من حوله يحفلون به وكان يسر بنظرة الاعجاب التي يغدقها الناس عليه ، والحق أن زيكو كان بستحق هذا الاعجاب وأكثر فقد كان أي انسان يقابله يصاب بالذهول والانبهار بمجرد أن يعرف سر عبقرية زيكو التي تتمثل بقدرته العجيبة في الحساب الذهني ، فزيكو من الأشخاص القلائل الذين حباهم الله بقدرة عجيبة على حل أضخم عمليات الضرب بثوان معدودة ، ونحن هنا لا نتحدث عن 5×5 أو 20×40 أو 130×66 ، لا بل نتحدث عن عمليات أضخم بكثير ، فمثلا يسأله أحد المعجبين : زيكو ما هو ناتج 145220×33755 فيغمض زيكو عينيه لوهلة ثم يجيب بثقة : الجواب هو 4901901100 فيسارع من حوله للاستعانة بألة حاسبة ليتأكدوا من الجواب فينبهرون ويضحكون معجبين بقدرته العجيبة على حل هذه المسألة بسرعة فائقة فيزيدوا العيار ويصعبون عليه الأسئلة بزعمهم فيجيبهم بثقة بالغة وبدقة متناهية وبثوان معدودة فيصابون بالذهول اكثرويصفقون له معجبين أكثر وأكثر، حتى اصبح اسمه بين الناس زيكو العبقري ، ولك أن تعرف أن اسمه الحقيقي ليس زيكو بل زكي ولكن أصدقائه ومعجبيه يحبون مناداته باسم زيكو العبقري حتى كاد أن يندرس ذكر اسمه الحقيقي ، وزيكو لم يكن منزعجا من اسمه الجديد بل كان يشعر بالعنفوان والمحبة لهذا الاسم الذي لازمه واصبح سمة خاصة به
في ذات صباح شتوي شديد البرودة ركب زيكو الأتوبيس متوجها لبيت صديقه رامي ، فقد كان على موعد معه للذهاب للملعب لممارسة لعبة كرة القدم وهي اللعبة المفضلة لزيكو يلعبها كلما كان لديه وقت فراغ ، أثار انتباه زيكو العبقري حوار شخصين كانا يجلسان أمامه في الأتوبيس، كان أحدهما يخاطب صاحبه قائلا :
أتدري يا صاحبي هناك من يقول أن هناك متلازمة بين الشخص واسمه ، بمعنى أن الشخص يحمل صفات اسمه ولكني ضد هذه الفكرة ، فمثلا أنا أعرف رجلا اسمه جميل وهو ليس جميل بل هو رجل قبيح شديد الدمامة وأعرف رجلا اسمه لقمان وتصرفاته رعناء ليس فيها أدنى حكمة أو تدبير ورجلا اسمه أيوب وهو رجل طائش لا يعرف معنى الصبر واموره دوما يعالجها بسرعة وتهور واعرف رجلا اسمه مقداد وهو رجل جبان يخاف من خياله ، فأنا ضد فكرة أن الاسم يكون صفة متلازمة لصاحبه والامر ليس على اطلاقه كما يزعمون
ضحك صديق الرجل ووافقه على كلامه ، ولكن زيكو لم يضحك بل اغضبه هذا الكلام فرفع نظارته بسبابته وألصقها بعينيه وقال بنبرة جدية مقاطعا ضحك الرجلين : عفوا يا عم أنت مخطئ
استدار الرجلان نحو زيكو الذي أردف قائلا : أنا مع تلك النظرية التي تقول أن الاسم مرادف لصاحبه وترجمان عنه ، فمثلا أنا اسمي زكي وأصدقائي يسمونني زيكو وأنا أزعم أني زكي بل أني خارق الذكاء
أبدى الرجلان استغرابهما من هذه الثقة المفرطة التي يتمتع بها زيكو وكادا أن يسخرا منه لولا أنه حدثهما عن موهبته وطلب منهما أن يختبرانه فقال له أحدهما :
حسنا ، 17 × 22 كم هو الناتج فضحك زيكو وقال مباشرة : الناتج هو 374 ولكني أريد أرقام أكثر بكثير ، هيا يا عم اسألني أسئلة أضخم على قدر ما تستطيع
شعر الرجلان بالحماسة وسأله أحدهما : 668573× 122953
فأغمض زيكو العبقري عينيه لثوان ثم أجاب : الناتج هو 82203056069
أخرج أحدهما جهازه الخليوي من جيبه واستعان بالألة الحاسبة وكم شعرا بالذهول عندما اكتشفا أن الجواب صحيح ، وكل من كان في الأتوبيس شاركهما هذا الذهول والاعجاب بزيكو العبقري ، وأمطراه بالأسئلة وزيكو العبقري يجيب بدون تردد أو خطأ ، وقبل أن ينزل زيكو من الأتوبيس صافحاه الرجلان بحرارة واعتذر الرجل صاحب النظرية الخاطئة وأقر لزيكو أنه كان مخطئ في نظريته وأنه غير وجهة نظره عندما قابله وحقا إن الاسم ترجمان لصاحبه وصفة لازمة له
غادر زيكو الأتوبيس وهو مزهوا بانتصاره وفرحا بما ناله من اعجاب الركاب ومضى لبيت صاحبه رامي ووقف تحت شرفة بيته ينادي عليه ، ولكن رامي كعادته ثقيل النوم وكم عانى زيكو من ايقاظه من سباته العميق، فقد كان عليه أن يصرخ دوماحتى يبح صوته تحت شرفته ليستيقظ ، ولكن هذه المرة وهو ينادي على صديقه حدث شيء مزعج عندما خرج أحد جيران صديقه رامي وسكب دون أي سبب أو مبرر دلوا من الماء بجانب زيكو العبقري مما جعله يغضب وينادي على الرجل الذي اكتفى بالدخول من شرفته دون أن يعير غضب زيكو أي انتباه أو تقدير ، وعندما نزل رامي وحكى له زيكو ما حصل هز رامي رأسه متأسفا وقال لزيكو : آه يا زيكو هذا الجار مؤذ للغاية ، لا يدع أحدا من شره وكم اشتكى منه الجيران وهو أذن من طين وأخرى من عجين لا يكف عن أذية الناس بسبب وبدون سبب
ابدى زيكو امتعاضه وعلق قائلا : رجل يؤذي الناس بدون رادع من ضمير أو دين ، بئسا لهذا الرجل ، كم أكره الأغبياء وكم هم كثيرون في زماننا هذا
مضى زيكو وصديقه رامي في طريقهما للملعب وفي وسط الطريق تذكرا أنهما بحاجة لصفارة لتنظيم اللعبة فقد ضاعت بالأمس وأصدقائهما في الملعب أوكلا لهما شراء واحدة جديدة ، أشار زيكو لرامي أن هناك كشك لبيع الأدوات الرياضية قريب من طريقهما ، وعند وصولهما إليه كان البائع منشغلا مع رجل يقلب بيديه حذاء رياضي وكان واضح أن البائع يحاول اقناع الرجل بشراء الحذاء ، عندما شاهد زيكو العبقري الحذاء لم يتردد لحظة في القول للرجل الذي يريد أن يشتري الحذاء : انصحك بشراء هذا الحذاء مباشرة وبدون تردد
سأله الرجل عن سر اعجابه بهذا الحذاء فأجابه زيكو : إنه حذاء مريح للغاية فقد اشتريته منذ يوميين من بائع الجملة الذي يقع في أخر الشارع وصحيح أن سعره غال فقد باعني إياه ب300 دينار ولكني أؤكد لك أنه يستحق هذا السعر الغال فهو مريح وعملي جدا
قاطعه البائع قائلا : تفضل أيها الفتى ماذا تريد
أريد صفارة لو سمحت
أسف ليس عندي صفارات
كيف ليس عندك صفارات ، إنهن خلفك ( وأشار إلى الرف الذي خلف البائع )
أسف إنهن صفارات عاطلات وليسوا للبيع
ولكن000
هل استطيع خدمتك بشيء أخر
قال البائع هذه الجملة وأدار ظهره لزيكو العبقري وصديقه رامي والتفت للرجل الذي كان ما يزال يحمل الحذاء بيديه
امتعض زيكو وصديقه رامي من عجرفة البائع وطرده إياهما بشكل غير مباشر
أرأيت يا رامي كيف تصرف معنا هذا البائع وأنا الذي أردت مساعدته وأوضحت للرجل بأن الحذاء جيد ومريح فبدل أن يشكرني تصرف معنا بهذا الشكل الغبي ، فعلا خيرا تعمل شرا تلقى

أجابه رامي : بالفعل يا زيكو هذا الرجل لا يستحي وأؤكد لك أن سر غضبه لأنك اشتريت الحذاء من مكان أخر ولم تشتريه من عنده ، لذلك غضب ولم يرضى أن يبيعنا
تعجب زيكو قائلا : ولماذا يغضب أوليس الرزق بيد الله ، يريد أن يحتكر البيع لنفسه ولا يريد أن يبيع أحد سواه ، كم أكره الأغبياء وكم هم كثيرون في زماننا هذا
لم يقف زيكو وصديقه رامي عند هذه المسألة طويلا وذهبا للملعب وتمتعا بوقتهما جيدا، وبعد انتهاءهما من اللعب مضيا لمطعم الفول الذي يأكلان من عنده دوما بعد خروجهما من الملعب ، استقبلهما صاحب المطعم بالحفاوة كما يفعل دائما وقال لزيكو : أيها العبقري لدي سؤال لك صعب جدا لن تستطيع الإجابة عليه ، كم هو ناتج 45678922×3355668 ، اغمض زيكو العبقري عينيه برهة ثم أجاب : 153283296829896
انفجر صاحب المطعم ضاحكا وقال : أيها العبقري لن يغلبك أحد
وكعادته ابتسم زيكو مزهوا ، فالحق أنه كان يحب كلمات المديح والثناء وهذا من حقه فهو عبقري حقا ولا ضير أن ينال بعض الاعجاب والمديح اللذين يستحقهما، وبينما كان في نشوة زهوه أثار انتباهه رجل يجلس في طاولة بعيدة عنهما ولكنه كان يأكل بشكل ملفت للنظر ، فقد كان أرعن بأكله وواضح أنه لم يكن يحترم الطعام الذي أمامه، وما أثار حفيظة زيكو أكثر أن كسرة من الخبز سقطت على الأرض ولكن الرجل لم يكترث ولم يكلف خاطره أن يلتقطها ويعيدها للطاولة وهنا لم يعد زيكو يحتمل هذا الاستهتار بالنعمة فنادى على الرجل : هيه ،أيها العم لماذا لا تحترم الطعام وتأكل بهذا الشكل المبتذل حتى أنك لم تكلف نفسك وتعيد قطعة الخبز التي اسقطتها ، ألا تعلم أن الطعام نعمة يجب الحفاظ عليها والتعامل معها باحترام
لم ينبس الرجل ببنت شفة ولكنه توقف عن الطعام ثم هب فجأة من كرسيه وداس على قطعة الخبز بقدمه بتحد واضح ثم خرج من المطعم وكان واضحا أنه غاضب فقد اسقط كرسيا أثناء خروجه وكان يمشي بشكل متموج وكأنه لا يرى أمامه
استغرب زيكو وقال لصديقه : أرأيت يا رامي ، أرأيت إلى الرجل انصحه فيغضب ويهب واقفا ويدوس على كسرة الخبز بكفران للنعمة مقيت ويسقط الكرسي ويخرج غاضبا ، بدل أن يشكرني على النصيحة تأخذه العزة بالأثم ويتصرف بهذا الشكل الأهوج ، كم أكره الأغبياء وكم هم كثيرون في زماننا هذا
فعلا يا زيكو كم أكره الأغبياء وكم هم كثيرون في زماننا هذا
استدار زيكو ناحية الصوت الذي ردد جملته فرأى شابا وسيم فارع الطول يبتسم له بابتسامة عريضة ، وقبل أن يتكلم زيكو مد الشاب ذراعه وتناول كرسيا وجلس بجانب زيكو وصديقه رامي
سأله زيكو عفوا هل أعرفك ؟
أجابه الشاب : بصراحة أنت لا تعرفني ولكني أنا الذي أعرفك
ابتسم زيكو ابتسامة الزهو وقال : لا بد أنك من المعجبين بموهبتي
فرد الشاب : في الحقيقة نعم ، لقد انبهرت كما انبهر غيري بموهبتك ، واعترف أنك حقا عبقري ونموذج قل ما يوجد بين الناس ، وأردف الشاب قائلا : لقد تعرفت عليك في الصباح فقد كنت أركب الأتوبيس الذي كنت فيه وكنت أجلس خلفك وأثار انتباهي حوارك مع الرجل ذو النظرية العجيبة وتابعت الحوار الذي دار بينكما ، وبصراحة انبهرت جدا بموهبتك حتى أنني قررت أن أنزل وراءك وأسير خلفك لعلي أسبر أغوار هذه الموهبة وأتعرف عليك أكثر ، ورأيتك وأنت تنادي صديقك من تحت الشرفة ، ولكني انتبهت لأمر لم تنتبه أنت له فقد كنت تنادي صديقك بصوت مرتفع ولم تلاحظ أن الساعة لم تتجاوز السابعة صباحا بعد وليس كل الناس يستيقظون في هذا الوقت المبكر وهذا ما جعل جار صديقك رامي يغضب ويسكب دلوا من الماء بالقرب منك لعلك تنتبه أنك أسأت التصرف ، ولكن عبقريتك لم تكشف لك أنك تزعج الناس بصوتك العالي عند الصباح، ثم مضيت مع صديقك لصاحب الكشك وحصل فيه ما حصل ، وقد تأخرت بعد مغادرتكما بدقيقة لأكتشف أنك اضعت على هذا البائع صفقة رابحة ، فالزبون كان مدربا لأحدى الفرق المحلية والمغمورة وكان بصدد شراء أحذية رياضية لفريقه كله وكان البائع قد باعه الحذاء الواحد ب 325 دينارفجئت أنت بغباء شديد الوضوح لتخبر الزبون أنك اشتريت الحذاء ب300 دينار بل ودللته على بائع الجملة الذي اشتريت منه الحذاء ، وبالتالي اضعت على البائع صفقة رابحة من أجل أن تشتري منه صفارة ، وكان حريا بك أن لا تتدخل فيما لا يعنيك ،وهذا هو سر غضب البائع منك وطرده لك بشكل لبق ليتفرغ للزبون لعله يصلح ما افسدته أنت ، ثم أتيت إلى هنا وصرخت في وجه الرجل الذي كان يجلس بعيدا عنك وأعطيته محاضرة في وجوب الحفاظ على النعمة ، ولو أنك كلفت خاطرك واقتربت من الرجل لتكلمه وتنصحه في أذنه دون أن تفضحه على رؤوس الأشهاد لعلمت أن الرجل كفيف ، فالرجل لم يدس على الخبز استهتارا بالنعمة ولم يكن يأكل بشكل غير لائق استهتارا بالنعمة ولم يلقي الكرسي ويمشي بشكل غير مستقيم لأنه كان غاضبا ، كلا بل لأنه لم يكن يرى ، ولكن عنفوانك وغرورك واسمح لي أن أقل غباؤك لم يجعلك تقوم للرجل لتكتشف حقيقته بل كلمته من طاولتك بصوت عال مما جعله يشعر بالخجل ويتوقف عن الطعام ويخرج مهرولا من المطعم
حقا يا زيكو العبقري كم أكره الأغبياء وكم هم كثيرون في زماننا هذا
قد تكون عبقريا حقا في حل المسائل الرياضية ، قد تكون نابغا وفريد عصرك في حل أصعب المسائل الرياضية ، ولكن للأسف إن عبقريتك هذه كانت حاجزا لك لرؤية كثير من الأمور مما جعلك تصاب بالغرور والعنفوان وهذا جعلك عبقري في جانب وغبي في بقية الجوانب
أنهى الشاب كلامه وقام من كرسيه ووضع يده على كتف زيكو وأنهى كلامه قائلا : لقد ذكر الرجل في الأتوبيس أربعة نماذج عن الأشخاص الذين يعرفهم واسمائهم لا تطابق أحوالهم وأزعم لو رأى منك ما رأيت لأضاف لقائمته اسم خامس وهو زكي أغبى انسان على الأرض
هز الشاب كتف زيكو وغادر المطعم وترك زيكو وصديقه رامي وكأن على رؤوسهما الطير
00000
نعم أيها الأخوة إن زيكو العبقري هو أغبى انسان على الأرض ، والحق أن زيكو ليس حالة شاذة بين الناس وليس بدعا من البشر ، فكم وكم من الأشخاص المصابون بداء زيكو وهم يحسبون أنهم فلتة عصرهم ، والحق أن داء زيكو داء فتاك أشد ضراوة من الأمراض السارية أو المصنفة كأشد الأمراض ضراوة ، لأن المرض أمر حسي يعرفه جميع الناس ويتحاشونه بعكس داء زيكو فهو مرض خفي لا يعرف صاحبه أنه مصاب به وليس له دواء مادي ، إنما دواءه معنوي يكون في اصلاح النفوس هذا إن شعر صاحبه أنه مصاب به وعمل على العلاج منه
وداء زيكو ليس حكرا على أحد دون أحد ، فقد يصاب به الكبير والصغير ، الغني والفقير ، الرجل والمرأة ، قد يصاب به المعلم وقد يصاب به التلميذ قد يصاب به القاضي ويصاب به عامل النظافة قد يصاب به الطبيب وقد يصاب به بائع الحليب ، فهو ليس حكرا لأحد دون أحد
سمعت عن طبيب دخل عليه رجل وهو يحمل بيديه فلذة كبده فقال له الطبيب : لماذا أتيتم بهذا الطفل لعندي ، الأجدر أن تذهبوا به إلى المقبرة
لقد أعمت شهادة هذا الطبيب ومكانته الاجتماعية المرموقة عيناه أنه يتعامل مع بشر وأنه لا يتعامل مع كيس بطاطا أو دجاجة مشوية أو دراجة هوائية تعطلت ، إنه يتعامل مع رجل جاء بأغلى ما يملك وهو يتلهف بحرقة ونظرات الرجاء تسبقه ولو أن الطبيب أخبره أن علاج ابنه أن يقدم له قلبه لا أخاله سيتردد لحظة بتقديمه لابنه فإذ به يتلقى هذا الجواب الغبي
نعم قد يكون هذا الطبيب عبقريا في الطب ، قد يكون من أمهر الأطباء ومن أبرعهم في تشخيص الداء وأعلمهم في الاشارة للدواء ، ولكنه بالتأكيد إلى جانب شهادته يستحق شهادة أخرى وهي شهادة زيكو مع وسام الشرف والتقدير
أخبرني من أثق به أنه ارتكب في شبابه ذنبا وعندما تقدم بالعمر ندم أشد الندم وراح يسأل عن شيخ معروف ليخبره عما فعل لعله يدله على كفارة لذنبه ، وبالفعل دله أولاد الحلال على شيخ معروف وذهب إليه وكله أمل أن يجد عند الشيخ ما يريح ضميره المعذب ، ولكن الشيخ نهره أشد النهر وزاد على ذلك أن فضحه على رؤوس الأشهاد وجعل الناس ينظرون إليه نظرة احتقار وامتهان وخرج من عند الشيخ كمن بال على سرواله
نعم قد يكون هذا الشيخ عالما جليلا ، قد يكون بارعا في تخريج الأحاديث وفي التفسير وعلوم القرآن ، قد يكون ملما في المسائل الخلافية وقد يكون مفتيا متمكن في الإفتاء ولكنه يستحق أن تتوسط مكتبته الضخمة شهادة زيكو مع وسام الشرف والتقدير
عندما كنت شابا في مقاعد الدراسة اوقفني أستاذ الرياضيات وسألني سؤال لم اعرف اجابته ، حقا وصدقا نسيت هذا السؤال وقد يكون سؤال بسيط ولكني ببساطة لم أعرف الإجابة ، فنظر إلي الأستاذ شزرا وحملني وحطني بطرف عينه عدة مرات ثم لاك الكلمات من فمه وقال : ماذا يعمل أبوك ؟
فأجبته : أستاذ
فزاد اللوكة في فمه لوكانا أكثر وقال متعجبا : أستاذ !!! ما شاء الله ، أستاذ !، شوف يا ابني اليوم بعد أن تنصرف من المدرسة وتعود للبيت قل لأبيك إن زميلك أستاذ الرياضيات يسلم عليك ويقول لك إن ابنك لا ينفع في الدراسة والأجدر والأنفع أن تشتري له عربة خضار وخليه يشتغل بها بدل إضاعة الجهد والوقت
ثم أشار لي بيده ان اجلس ، جلست وضحكات الطلاب من حولي ونظرتهم الشامتة تلاحقني ، وموقفي كان بايخ إلى حد الثمالة ، ومع أن الأستاذ قد لاك هذه الكلمات وأزعم أنه نسي ما لاك بعد دقائق ولكني لم أنسى حتى بعد مرور أكثر من ربع قرن ، وصحيح أني بفضل الله أكملت دراستي ولم اعمل في بيع الخضار ولكني ما كرهت في حياتي بعدها مثل كرهي للرياضيات ، وهذا إن دل على شيء فهو يدل أن هذا الأستاذ قد يكون نابغة في الرياضيات وأمهر من يحل المسائل الرياضية المعقدة ولكنه يستحق بجدارة شهادة زيكو مع وسام الشرف والتقدير
وأذكر أيضا عندما دخلت الجامعة كان هناك دكتور مشهور جدا على صعيد العالم كله وقد توفي منذ سنوات قليلة ، هذا الدكتور لديه مؤلفات كثيرة وأبحاث مهمة وكان له برنامج اسبوعي في التلفاز ينتظره الناس على أحر من الجمر ، ولك أن تعرف أن محاضراته يزدحم فيها الطلاب حتى أنهم يتوافدون قبل عدة ساعات ليضمنوا لهم مقاعد شاغرة ، وفي احدى المحاضرات دخل الدكتور وجلس وراء طاولته ولفت انتباهه ورقة مكتوبة فيها سؤال شرعي فرفع عقيرته وقال : من كتب هذه الورقة ؟
فرفعت احدى الطاليات يدها فقال لها قفي فوقفت فامطرها توبيخا وتأنيبا وكان مما قال : إذا أردت أن تسألي سؤالا فارفعي يدك وتكلمي أمام زملائك فليس هناك ما يستدعي الخجل فأنا لا أتكلم عن الحيض أو عن النفاس

ثم ألقى بالورقة على الأرض بلا مبالاةوشرع في محاضرته

جلست الطالبة ونظرات الطلاب تلاحقها وكأني بها وقد انهار أمام ناظريها هذا الجبل الأشم الذي كان مثلا أعلى لها تتمنى اللحظة التي تأتي لتستمع له وتنهل من علمه وإذ به يبعثر كرامتها أمام أقرانها
نعم قد يكون هذا المحاضر عالما من علماء زمانه ونابغا يقل وجوده بين أقرانه ، قد تكون له مؤلفات قيمة عن العقيدة وعن الدراسات القرآنية وقد يكون من أمهر من تكلم عن السيرة ولكنه بالرغم من ذلك يستحق بجدارة شهادة زيكو مع وسام الشرف والتقدير
اعرف اخت من الأخوات لم يرزقها الله بالذرية كلما جلست في مجلس يضم نساء يسألنها : ألم تحبلي بعد ؟
هل راجعت طبيب ؟
ماذا قال لك الطبيب ؟
زوجك ألم يفكر بالزواج عليك ؟
كم صار لك متزوجة لم تنجبي ؟
ما هي الأدوية التي تأخذينها ؟
وتنظر لهن وهن يقرأن المعوذات وينفخنها في وجوه أطفالهن عندما تكون موجودة خوفا من أن تحسدهن

حتى أن المسكينة زهدت من مجالستهن ومجالسة سواهن وصارت لا تخرج من منزلها ولا تقابل أحد
نعم قد تكون هؤلاء النسوة صالحات طاهرات عفيفات نقيات ، قد يكن مدبرات في بيوتهن مرضيات لأزواجهن ومربيات لأولادهن احسن تربية ، ولكنهن مع ذلك يستحققن بجدارة شهادة زيكو مع وسام الشرف والتقدير
اعرف رجلا غنيا لا يحلو له أن يعدد ثروته وماذا أشترى وماذا سيشتري وماذا أكل ولماذا أصيب بالتخمة وبكم اشتري سيارته وكم كلفته مزرعته وكم كلفته رحلة الحج وبكم اشترى خاتم الألماس لزوجته وكم كلفه عرس المحروس ابنه كل هذا لا يحكيه ولا تتفتق قريحته بالجود به إلا أمام الفقراء والمعوزين والذين لا يجدون قوت يومهم
نعم قد يكون هذا الرجل صواما قواما ، قد يكون دافعا لزكاته وكثير الصدقات وكثير فعل الخير ولكنه مع ذلك يستحق وبدرجة امتياز شهادة زيكو مع وسام الشرف والتقدير
والأمثلة أكثر من أن تحصى ، فلينتبه أحدنا فإنه داء عظيم تصاب به النفوس وهو داء محطم للحسنات يذيبها كما يذيب الماء الملح ، فليحذر أحدنا فإن داء زيكو خطير ، داء يظن صاحبه أنه أزكى الناس وهو أغبى من عليها
السلام عليكم
__________________

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق