شماليات

مرحبا بكم في مدونتي المتواضعة التي أجمع فيها زبدة ما كتبته في الشبكة العنكبوتية كما وأنوه أن حقوق النشر والنقل محصورة لكاتب هذه القصص والمقالات ولا أحل أحدا أن ينقل شيء من دون ذكر المصدر والاشارة إلى كاتبها أبو ذر الشمالي

الثلاثاء، 1 مارس 2016

يا حميدي دعني أنام




بسم الله الرحمن الرحيم
أعمل تاجراً وأنا أعشق هذه المهنة ولو لم أكن تاجراً لدعوت الله أن يجعلني تاجراً ، فأنا لا أرى نفسي إلا في التجارة ومع أني أنهيت دراستي الجامعية إلا أني لم أعمل بها ولن أبتغي عن التجارة بديلا
ولأننا نحن معشر التجار لايعجبنا العجب ولاالصيام في رجب ونشتكي دوماً من قلة الأرزاق وضعف الأسواق وقلة البيع والشراء فقد قررت وأخي الذي هو شريكي في العمل أن نوسع تجارتنا ونشتري شاحنة صغيرة نقوم بتوزيع البضائع في المدن البعيدة ، هو يسافر إلى مدن وأنا أسافر إلى مدن أخرى ، هذه السفرات المتتابعة جعلتني أتعلق بالتجارة أكثر فقد انطلقت من القمقم الذي كنت فيه وأعني الدكان إلى رحب واسع وأصبحت أخالط أقوام ما كنت أعرفهم وأتعامل مع أناس جدد وبالتالي أصبحت أتعرف على عادات وتقاليد جديدة
ولاتخلو هذه الرحلات المكوكية من بعض الطرائف والحكايات التي سأحكي لكم اليوم واحدة منها
ولكن قبل أن أحكيها لابد أن أشرح لكم طبيعة سفري حتى تصلكم الصورة واضحة
فأنا أقوم بالسفر يومين متواصلين في الأسبوع ، أبات ليلة واحدة في سفري أمضيها في شاحنتي لأن الأماكن التي أقصدها تفتقر إلى فنادق ، ثم أني أخرج في الساعة الواحدة صباحاً لأستمر في العمل المضني قرابة الأربع والعشرين ساعة متواصلة دون أي راحة أو إنقطاع ، وفي أخر الليل أفتش عن مأوى ينتشلني لأستسلم لنوم عميق وأستيقظ صباح اليوم الثاني لأكمل عملي وأعود مساء إلى مدينتي
وفي إحدى الليالي وعندما أنهيت عملي رحت أفتش عن مكان أبيت فيه خارج إحدى البلدات الصغيرة إلى أن وصلت محطة للوقود مغلقة فقررت أن أبيت عندها
وما أن ركنت الشاحنة وأطفئت المحرك حتى تفحصت المكان فراعني مدى وحشة المكان ، الريح تصفر والظلام حالك والضفادع تنقنق وأرنبان بريان يتنططان مثل الزعران والكلاب تعوي ، يعني الخلاصة لقد كان جواً مكفهراً وأعتقد أن أي مخرج سينمائي لأفلام الرعب كان سيسيل لعابه لهذا المكان فهو لن يرى مكان لإخراج فلم رعب أنسب منه ، المهم أني تجاهلت وحشة المكان وأخذت أقوم بطقوسي التجارية التي لابد منها قبل النوم ، بأن أقوم بحساب ما بعت وأن أعد الغلة وأخبئها في مكان تحسباً للظروف ، فأنا في مكان مقطوع وليس من الحكمة أن أضع النقود في جيبي ، ثم أقوم بعد ذلك بأجمل لحظة ينتظرها التاجر بأن أقوم بجني الأرباح التي ربحتها في يوم عملي ثم بعد ذلك أضبط المذياع على إحدى الإذاعات وأستسلم لنوم عميق ، وبينما أنا أقوم بذلك إذ سمعت خبطاً قوياً على زجاج السيارة ، فزعت وكدت أنط من مكاني ليضرب رأسي بسقفية السيارة ونظرت فإذا بي تقع عيناي على إبريق شاي ومن وراءه رجل يبتسم وقبل أن أستوعب الموقف فتح الرجل الباب وألقى إبريق الشاي الذي يحمله بصينية على حضني ، ثم استوى جالساً بجانبي وبادرني بالقول: أنا أخوك حميدي حارس هذا المكان وقد جلبت الشاي ضيافة مني لندفئ أنفسنا في هذا البرد
شكرت الرجل وعرفته بنفسي وكنت ممنوناً له على ضيافته اللبقة
ولكن عادتي أني لا أشرب الشاي حلواً لسببين أولها أني لا أحب الشاي سكر زيادة وثانيهما أني مصاب بداء السكري فأنا سكري مني وفيني وعلى رأي إخواننا المصريين دمي شربات ( لا أقصد خفيف الظل فهذه بعيد عنها إنما أقصد المرض)
المهم أن حميدي جزاه الله خيراً سقاني مربى الشاي ولكني مع ذلك لم أبين له امتعاضي فمن العيب أن أرد الرجل وهو يضيفني
بدأ حميدي بالكلام فقال لي : لقد كنت منزعجاً في هذا البرد وأشعر بالضجر والوحدة ولكن أحمد الله أنك قد ركنت شاحنتك هنا حتى نتعلل
هكذا قال نتعلل ، لم أفهم هذه الكلمة فأنا أول مرة أسمعها ولكني لم أستسغها ولم تعجبني فهي مشتقة من العلة ، تعلل يتعلل فهو معتل ، وأنا لاأحب العلة ، أساساً أنا أكره أحرف العلة من أجل إسمها
ولكني بعد ذلك أدركت ما معنى التعليلة ، فهي تعني أن يجلس إثنان في أول المساء ويطقوا حنك إلى أخر المساء ويظلوا يتكلمون في أشياء لاقيمة لها ولا طائل من تحتها
بدأ حميدي الذي نسيت أن أخبركم أنه من الإخوة البدو ويعمل حارساً في هذه المحطة ، بدأ بالكلام أو بالأحرى بدأ يعللني وأنا أتعلل ، هو يعللني وأنا أتعلل، هو يعللني وأنا أتعلل
فلم هندي يا إخوان ، فلم هندي ، حميدي حكى لي فلم هندي ، فمعلومكم لمن يتابع الأفلام الهندية أن الفلم الهندي لا يبدأ مع البطل وهو ابن عشرين سنة ، ولايبدأ والبطل ابن عشر سنوات ، ولايبدأ والبطل في المهد ، كلا، إنما الفيلم الهندي يبدأ بأن يقص حكاية جد البطل الذي يكافح ضد المجرمين ويقومون بالنهاية بقتله أمام أبنه ، ثم يكبر إبنه الصغير وهو أب البطل ويتعلم كاراتيه ويكافح ضد المجرمين ولكن الأشرار يقتلونه أمام أعين أبنه الذي هو البطل ، الذي يكبر ويقرر أن ينتقم من القتلة ويبدأ بالإنتقام إلى أن يقتل هو الأخر ليكتشف المشاهد في النهاية أن بطل الفيلم ليس هو بطل الفيلم إنما بطل الفيلم هو ذلك الكومبارس الذي كان يفرك عينيه أمام الشجرة التي تطل على البحيرة التي كان الصيادون يصطادون منها السمك
وكذلك حميدي فقد حكى لي قصة حياته من قبل أن يكون لها قصة ، أي من قبل أن يولد وكيف أن أبوه جاءه ولد قبل حميدي سماه حميدي ومات الطفل وهو ابن سنة ثم جاء حميدي فتركه أبوه على اسم حميدي المتوفى وأصبح حميدي الجديد عمره عام وهو أبن أيام وما هي المشاكل التي تعرض لها نتيجة فعل أبيه ، يعني بالمختصر فتح حميدي لي قصص وحكايا لاناقة لي فيها ولاجمل إلى أن قال لي : نحن في الأصل لسنا فقراء ولكن الدنيا أدارت لنا ظهرها منذ أن وقعت الحادثة
فسألته بعد أن رشفت رشفة كبيرة من مربى الشاي وقد جحظت عيناي وأنا أنظر أمامي إلى الظلام المطبق: أي حادثة؟؟
أي حادثة!! هل قلت أي حادثة يا أبا ذر ؟؟ قاتل الله الفضول، قاتل الله فضولك يا أبا ذر ، ثكلتك ابنة عم خالة أمك يا أبا ذر ، أشوف فيك يوم يا أبا ذر، يعني يا إخوان لو جائكم في يوم خبر وفاتي فاعرفوا أن الفضول هو الذي قتلني
حادثة وجرت مع حميدي ، يعني هل ستكون حادثة دنشواي مثلاً؟؟
حادثة حريق روما؟؟
حادثة إنهيار سد مأرب؟؟
حادثة هدم حائط برلين؟؟
حادثة بناء سور الصين العظيم؟؟
حادثة مرور المذنب هالي؟؟
حادثة وجرت مع حميدي ، مالك أنت ولها ، تسأل عن أمور لادخل لك فيها لماذاااا؟؟؟
يعني يا إخوان لكم أن تتخيلوا موقفي ، البرد الذي قتلني والتعب الذي هدني والنعاس الذي غلبني ، ليس غلبني وحسب بل أنتصر علي وهزمني شرهزيمة وجثا على صدري وبدأ يهز رجليه فوقي، بينما حميدي إنجعص على الكرسي وأخذ ينظر إلى بعيد ( لاأدري علام ينظر فالظلام دامس والرؤية غير واضحة ) وقال لي : هاها سألتني يا مرحوم اللبو( أي يا مرحوم الأب مع أن أبي حي يرزق ولكن لابأس فالرحمة تجوز على الطيب والميت) وبدأ حميدي يسهب في شرح الحادثة التي تسببت بفقره ، يعني يا إخوان أسمعتم عن إسهابات الساعد القوي  ( أخ عزيز معروف عنه الاسهابات الجيدة ) ، يا ما أحلى إسهاباتك يا ساعد يا قوي ، يا ما أقصر إسهاباتك يا ساعد ياقوي ، كم هي مختصرة وموجزة إسهاباتك يا ساعد ياقوي، على الأقل الساعد القوي عندما يسهب فأنت تفهم ماذا يقول أما حميدي فلم أكن أفقه كثيراً مما يقول ، فالرجل كان يتكلم بسرعة كبيرة وكان علي أن ألبس صندل لأجري خلف كلماته ، ثم أني لا أتابع مسلسلات بدوية وعليه فأنا لا أفهم تلك اللهجة بشكل واضح ، هذا ناهيك عن التعب الشديد والنعاس اللذان ذبحاني وأحرقا جفوني
وحميدي يتكلم وكل ما أنهى كلامه أتنفس الصعداء لأتفاجأ بأن الرجل كان كلامه عبارة عن مقدمة لما سيقوله من بعده وهكذا دواليك ، أما أنا فقد حاولت أن أفهمه أن التعب قد أخذ مني كل مأخذ وأني بحاجة للنوم ، أساساً أنا ما ركنت شاحنتي إلا من أجل النوم ، فرحت أتثائب أمامه لعله يشعر بي 000دون جدوى
رحت أنظر إلى الساعة كل قليل0000دون جدوى
رحت أتصنع النوم 0000دون جدوى
فحميدي جادت قريحته وماعادت تتوقف ، ولكن والحق يقال فحميدي هو الأخر عانى مني فقد كنت شر جليس له، فقد كنت أضحك في الوقت الذي كان يجب أن أعبس فيه وأقطب جبيني في الوقت الذي يجب أن أبتسم فيه ، وأندهش في الوقت الذي لاينبغي فيه أن أندهش ، وأتعجب في الوقت الذي لامكان للعجب فيه ، وأحوقل في الوقت الذي ينبغي أن أحمد الله فيه وهكذا ، تخيلوا أن الرجل كان يحدثني أنه تزوج من إبنة عمه ففهمت منه أنه قام والعياذ بالله بالإعتداء عليها ، ففزعت وانتفضت من مكاني وأنا استرجع وأحوقل والرجل عبثاً يحاول أن يفهمني أنه تزوج منها وليس كما فهمت ، وما أن هدأت بعد أن أفهمني حتى نظر لي نظرة ولسان حاله يقول: ما أغبى أبناء المدن وهم يظنون أنفسهم أذكياء
المهم أن الرجل بقي بالساعات وهو يحدثني ويعللني ويقول لي : يا مرحوم اللبو ويا مرحوم اللبوة، حتى ظننت أنه لاخلاص لي ولن أنفك من قبضة حميدي التعليلية حتى جائني الفرج من أوسع أبوابه بأن سمعنا خبطاً قوياً على زجاج السيارة أفزعني وكاد الأخر يجعلني أضرب رأسي في سقف الشاحنة وإذ بصديق حميدي يطل علينا وهو يقول: لاتؤاخذوني يا إخوان فأنا مضطر أن أقطع عليكم التعليلة وأنا بحاجة أن تأتي إلي سريعاً يا حميدي
لاتؤاخذوني؟؟؟؟، يا رجل لامؤاخذة ، يا رجل أنت رائع ، يا رجل أنت قمة في الروعة ، يا رجل000يا رجل أنا أحبك بالله ،
هذه الكلمات قلتها في نفسي من فرط فرحي وسروري ولولا العيب لقمت من مكاني وقبلت هذا البشير الذي بشرني بأني سأنتهي من هذه التعليلة
أما حميدي فقد أعتذر لي بأنه مضطر للمغادرة وأنا تفهمت الوضع وأبديت له إنزعاجي لأن تعليلتنا قد انقطعت قبل أن يكمل لي سبب إفتقاره بعد غناه ولا أدري كيف سأكمل مشوار حياتي وأنا جاهل بحيثيات هذه الحادثة ولكن الرجل صعقني عندما قال لي أنه ربما ( أسوأ ربما سمعتها في حياتي) ربما يعود إذا أنهى عمله
أما أنا وبعد أن غادر حميدي وضعت رأسي وأغمضت عيناي وكلي قلق أن يعود حميدي للتعليلة ولو أنه عاد لقلت له:
ياحميدي علي ياحميدي علي يا أبو قلب مش قاسي 0000بلاها التعليلة يا حميدي علي وخذ الغلة وخليني أنام وأريح راسي
السلام عليكم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق